المحتوى الرئيسى

تشاد في عهد ديبي.. هل تطوي صفحة الانقلابات وتتجه للديمقراطية؟

منذ 1 اسبوع - 2024-05-10 [59] قراءة

بكل زخمها انتهت الانتخابات التشادية، لصالح محمد إدريس ديبي، الذي كان متوقعا فوزه بنسبة كبيرة، وتبقت التحديات الأكبر التي ستواجه هذا البلد الواقع في وسط أفريقيا.

فهل سيستطيع حاكم تشاد الجديد الذي أصبح الآن منتخبا، بعد أن انقلب على السلطة، أن يضع بلاده على عتبات التحول الديمقراطي؟

هذا ما تباينت حوله آراء خبراء ومحللين لـ«العين الإخبارية» بشأن تلك الانتخابات، وما سيرتب عليها، فمنهم من يعتبر أنها عادت بالبلاد إلى المربع الأول وأنها بمثابة مسرحية هزلية، لكن آخرين يرون أن البلاد تتجه نحو الخيارات الديمقراطية، وأنها ستصبح عنصر استقرار في منطقتها المحاطة بالتحديات، إلا أنهم أجمعوا على وجود الكثير من التحديات التي تنتظر ديبي.

وحسم ديبي الانتخابات التي جرت في السادس من مايو/أيار الجاري، من الجولة الأولى، وفق هيئة الانتخابات بالبلاد بحصوله على 61.3% من أصوات الناخبين، متفوقا على رئيس وزرائه سوكسيه ماسرا الذي حصل على 18.53% فقط من الأصوات، في انتخابات تنافس فيها 10 مرشحين.

وتعد هذه هي المرة الأولى في تاريخ البلد الواقع في وسط أفريقيا التي تنافس فيها رئيس ورئيس وزراء في انتخابات رئاسية، وكانت الآمال منعقدة على تغيير بعدما امتد الحكم من إدريس الأب إلى نجله لأكثر من ثلاثين عاما.

أهم انتخابات

ويرى الدكتور عثمان حسب الله، رئيس المنسقية الوطنية للناطقين بالعربية في تشاد، أن "الانتخابات الرئاسية كانت تعتبر الأهم من حيث التنافسية والمشاركة، وذلك لوجود متنافسين من الوزن الثقيل، إضافة إلى مستوى الوعي الجمعي للمجتمع بالحقوق الوطنية والإيمان بالديمقراطية كخيار للتغيير".

وأعرب حسب الله لـ"العين الإخبارية" عن اعتقاده بأن "الأمور في تشاد تتجه نحو الخيارات الديمقراطية أكثر من السابق، وأن فرضيات التغيير بالسلاح حتما واردة لوجود المعارضة العسكرية"، مستدركا في الوقت نفسه "لكن الأمر بات غير مقبول شعبيا".

مسرحية هزلية

أما الدكتور محمد شريف جاكو، القيادي البارز في جبهة التغيير والوفاق المعارضة في تشاد (فاكت)، فقد وصف ما حدث في الانتخابات الرئاسية ونتائجها بـ (المسرحية الهزلية).

وقال جاكو لـ"العين الإخبارية": "إننا نرى هذه المسرحية منذ مفاوضات الدوحة في مارس/آذار 2022، وإن الهدف منها هو تكريس التوريث في البلاد، والتكريس في يد أسرة حاكمة منذ أكثر من ثلاثة عقود".

وأضاف أن "ما حدث يشكل خيبة أمل للذين كانوا يعتقدون أن هنالك بصيص من الأمل للخروج من النفق المظلم، وغالبية الشعب يعلمون مسبقا أن نتائج الانتخابات حسمت قبل إجرائها".

وتابع: "هذه المسرحية بدأت بتجميع أحزاب وحركات كرتونية وهمية لشرعنة للنظام، ثم تقدم للانتخابات 20 حزبا، وتم تصفية هذا العدد إلى النصف تقريبا، بحذف الشخصيات التي لها جماهيرية بواسطة المحكمة الدستورية المصنوعة من الرئيس، وكذلك اللجنة المنظمة للانتخابات المعينة من قبل النظام"، بحسب قوله.

المربع الأول

وبحسب القيادي التشادي المعارض، فإن "تشاد بهذه الانتخابات عادت إلى المربع الأول، وعادت إلى منظومة من العنف سواء كان في الداخل أو في الخارج".

وأضاف أنه "في الداخل تعرض بعض أنصار ماسرا للظلم والقتل في 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولم تتم المصالحة ولم يقدم القتلة إلى محاكمة، بل أصدر ديبي عفوا رئاسيا، وكان هناك انتظار للانتخابات لنصرة هذا الظلم على يد هذا النظام".

وتابع: "تصورت الغالبية أن ماسرا هو الفائز الحقيقي، ولكن النتيجة سرقت"، معتبرا أن "ذلك يمثل فجوة كبيرة جدا بين الحاكم والمحكوم، وأنه ليس هناك ثقة في الداخل"، بحسب قوله.

واستطرد: "أما في الخارج فهناك حركات مسلحة موجودة، أعطوا فرصة لحكومة ديبي حتى لا يقال أنه يسير في طريق لملمة الأمور، ولكن الحركات تدخلت وأوقفت هذا المسار، ولذلك أعلنوا وقف إطلاق النار من طرف واحد، لإتاحة هذه الفرصة".

وبين أن "ديبي فشل في هذا الرهان، والحركات المسلحة بالخارج ستتحرك لتقف مع الشعب التشادي لإزالة هذا الحكم"، على حد قوله.

ميزة كبيرة

وخلافا لجاكو، أكد الدكتور حمدي عبدالرحمن، الخبير المصري في الشأن الأفريقي، أن "إعلان فوز محمد إدريس ديبي يكتسب دلالة كبيرة.

وقال عبد الرحمن لـ"العين الإخبارية" إن "تشاد أول دولة في حزام الانقلابات في منطقة الساحل يحدث بها عملية انتقال سلمي للسلطة، ويتم إضفاء طابع شرعي على السلطة الحاكمة"، معتبرا أن هذه "ميزة كبيرة جدا".

وأضاف أن "الأمر الثاني يرتبط بأهمية تشاد بالنسبة للحرب على الإرهاب، وهذه مهمة جدا، وكذلك مستقبل القواعد العسكرية الموجودة للدول الغربية، وبصفة خاصة فرنسا، بالإضافة للوجود الأمريكي الذي أصبح يواجه مخاطر من طرد الأمريكيين من النيجر".

وأشار إلى اعتبار تشاد "ركيزة للوجود الغربي ومحاربة الإرهاب"، وبالتالي فإن "استقرار تشاد يمثل أهمية كبيرة بالنسبة للدول الغربية"، بحسب قوله.

وتابع: "الأمر الثالث يرتبط بالانقسامات داخل الأسرة الحاكمة والتي ينتمي فيها الرئيس إلى قبيلة الزغاوة، وفي نفس الوقت أمه من التبو، وأنه بذلك يمكن أن يمثل خليط يؤدي إلى تحقيق مصالحة بين الزغاوة التي تحكم منذ أكثر من ثلاثين عاما وبين القبائل العربية والتبو والقرعان وغيرهم من التكوينات القبلية في تشاد".

ورأى أنه "من المحتمل أن تكون هذه نقطة تحول كبيرة وأن هذا يتوقف على إمكانية مواجهته للتحديات".

تحديات جمة

وقال الخبير المصري إن "هناك اضطرابات اجتماعية وانقسام وضعف توزيع الخدمات العامة، رغم أن تشاد دولة نفطية، تمثل رقم 10 من حيث احتياطي البترول في القارة السمراء، فهل يؤدي ذلك إلى تحسين الخدمات العامة في الدولة، هذا تحد كبير".

وأضاف أن "المصالحة الوطنية هي أيضا تحد كبير، لأن المصالحات التي قام بها على مدى السنوات الثلاث الماضية لم تشمل كل مكونات المعارضة المسلحة، فهل ينجح في عمل هذه المصالحة الوطنية تشمل كل فئات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والجماعات المسلحة".

وتابع: "بالإضافة إلى إجراء الانتخابات النيابية بشكل يؤكد على الشفافية والانفتاح وهذا أيضا مصدر تحد له، فإن يواجه ملف إدارة الملف مع الدول الغربية، لأن هناك الآن استقطاب شعبوي معاد للغرب ولفرنسا".

واستطرد: "عندما زار ديبي روسيا كان يحاول أن ينوع من خريطة تفاعلاته الدولية"، وكل هذه التحديات سيتوقف عليها مستقبل الحكم في تشاد".

وبين أن "تشاد يمكن أن تصبح عنصر استقرار لأنها محاطة بتوترات وصراعات إقليمية كبيرة في ليبيا والسودان وأفريقيا الوسطى، بالإضافة إلى أن هناك تمدد سكاني وعرقي بين السودان وتشاد، فاذا لم تكن تشاد مستقرة سوف تزداد الأمور سوءا".

وأشار إلى أن "من مصلحة الجميع المحافظة على استقرار ووحدة تشاد في ظل هذه البيئة الأمنية البالغة التعقيد في منطقة الساحل وفي ظل تنامي الحركات الإرهابية وعودة بوكو حرام إلى منطقة بحيرة تشاد وهذا هو التحدي الكبير".

من جانبه، اعتبر الدكتور محمد تورشين الباحث السوداني في الشأن الأفريقي أن فوز ديبي في الانتخابات مجرد تحصيل حاصل منذ الوهلة الأولى، وأن ذلك كان متوقعا بعلم كل المهتمين بتشاد".

وأضاف تورشين لـ"العين الإخبارية" أن "الانتخابات كانت نقطة مهمة لديبي ليتحول من شرعية الانتقال التي بدأت باغتيال والده واستمرت بالحوار الوطني الذي مدد له الفترة الانتقالية، إلا أنه كان بحاجة لهذه الانتخابات".

وتابع: "هذه الانتخابات منحته الشرعية، بالرغم أن منافسه ماسرا تحدث بأنه هو الفائز أيضا، لكن لجنة الانتخابات أعلنت فوز ديبي"، متوقعا أن "يصل ديبي إلى تفاهمات مع ماسرا ويبقيه في منصبه".

وقال إن التحدي الأكبر فيما يتعلق بذلك هو "الاضطرابات في تشاد واتجاهها نحو المسار الديمقراطي"، مؤكدا أن "هذه المسألة لن تأتي بين يوم وليلة، هناك مجموعات كبيرة من منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية لم تشارك في إقرار شرعية النظام، والأهم من ذلك أن القوى السياسية الممثلة في تحالف القوى الوطنية الديمقراطية (فاكت) لم يشارك وعدم مشاركته سيجعل الأوضاع في تشاد غير مستقرة".

وأضاف أنه "في أي لحظة من اللحظات سيكون هنالك اضطراب ومحاولات للاستيلاء على السلطة سواء كان من (فاكت) أو أي مجموعة مسلحة، وبالتالي لا نستطيع أن نضمن أن تشاد في حالة من الاستقرار أو بمنأى عن التحولات والتغيرات غير الدستورية".

وأكد أن "كل الخيارات واردة"، مستدركا: "ولكنها خطوة للأمام ويمكن أن تترسخ وتذهب إذا استطاع أن يصل ديبي إلى تفاهمات سياسية مع المجموعات الحاملة للسلاح".

يذكر أن ديبي قد عين رئيسا انتقاليا، في تشاد التي تصنفها الأمم المتحدة على أنها رابع أقل البلدان نموا في العالم، من جانب مجلس مشكل من 15 جنرالا في العام 2021 بعد مقتل والده إدريس ديبي إتنو في الجبهة خلال إشرافه على معركة مع متمردين بعد 30 عاما من الحكم.

ووعد ديبي الابن بمرحلة انتقالية إلى الديمقراطية مدتها 18 شهرا، لكنه مددها لاحقا لعامين، ودعي أكثر من 8.2 ملايين للإدلاء بأصواتهم في تشاد، في انتخابات أسفرت عن فوزه.

aXA6IDEwMi4yMjMuMTg3LjUxIA==

جزيرة ام اند امز


المصدر: بوابة العين الاخبارية

تابع أيضاً

عاجل