المحتوى الرئيسى

27 أبريل .. يوم تاريخي يجب البناء عليه

منذ 1 اسبوع - 2024-04-27 [61] قراءة

قبل 1 دقيقة

دائمًا وأبدًا ما تبقى في تاريخ الشعوب أيامٌ خالدة ومحطات مضيئة وصفحات ممتلئة بالتوهج والأرقام التي لا تُمحى ولا يمكن نسيانها أو تجاوزها مهما تعاقبت الأحداث أو اشتد الصراع وتبدلت الأحوال والشخوص.

في اليمن ، كان يوم ٢٧ أبريل محطة بارزه للانطلاق نحو تأسيس أول مشروع ديمقراطي في البلاد بعد قيام الجمهورية اليمنية التي أُعلنت في العام 1990م من خلال إجراء أول انتخابات برلمانية تنافسية حرة بين  القوى السياسية في مرحلة توازن نسبي ، وتنافس حزبي شديد ، وإجراءات انتخابيّة شفافة.

وقد حرصت القيادة السياسية ممثلة بالرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية الأسبق على أن تتم الدورات الانتخابية كل أربع سنوات ، كما تم إقرار الانتخابات الرئاسية المباشرة عن طريق اختيار الشعب بعد إجراء التعديلات الدستورية، بدلًا من اختيار الرئيس عبر مجلس النواب ، مما حقق نقلة نوعية لتوسيع قاعدة المشاركة بتزامنها مع الانتخابات المحلية ، ومثّلت حينها تحولاً كبيراً لأنها منحت الشعب اختيار من يمثله في أعلى الهرم والسلطات المحلية ; لترسيخ التداول السلمي للسلطة.

كانت المرحلة تسير بخطى واثقة وتراكمات فعّالة ، قبل أن تبدأ ارهاصات التذبذب من قبل القوى السياسية إلى أن وصلنا لأحداث ٢٠١١ ، وما سبقها من تعنت ، ومحاولة التفاف على المشروع الديمقراطي بل وإيقافه حتى الساعة.

وبمجيء الربيع العبري أُجهضت كل المحاولات والتجارب في هذا الاطار واختل السياق تمامًا كما لو أن هناك من كان يتربص بالمشروع ليدفنه حيًا ، ليبدا العد العكسي وتبدأ سنوات الحرب والدمار وانهيار كامل البنية التحتية في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية ، وأصبح جميع اليمنيين يعيشون هذه المآسي ويتجرعون العذاب الذي لم يتوقف.

لذلك ، لابد من التفكير العقلاني والموضوعي لتشكيل رؤية استشراف جديدة للمستقبل نتجاوز بها الواقع المؤلم الذي نعيشه وتتبنى بعض الرؤى والاتجاهات العامة بعيدًا عن التكرار والسرد لأحداث وكوارث بات يعرفها القاصي والداني. ولذلك ، علينا اليوم رسم لافتات طريق كتلك التي توضع على الطرقات كعلامات إرشادية ، وهذا برأيي مهمة الكاتب والسياسي والمثقف وأصحاب الحل والعقد ، والتي  يتوجب عليهم القيام بها الآن والتي تراعي الآتي:

أولاً: ما حصل من انتكاسة للوطن يتحمل الجميع مسؤوليتها سواءً من كان في الحكم أو المعارضة، لسبب بسيط وهو أنهم لو اتفقوا  على الحلول والتوجهات لما حصل الذي حصل ، ولما اختل ميزان الوطن ما أدى إلى  الفوضى ودمار كل شيء..

ثانيًا: يجب الاعتراف بأن التجربة الديمقراطية السابقة كانت تجربة ناشئة وخطوة هامة على الطريق الصحيح ، ولا ندعي أنها كانت نموذجية أو كاملة ، فقد شابها نواقص وجابهتها معوقات لأسباب شتى، وأنها كان قابلة أو هي طريق التطور والتحول ، وعلينا اليوم أن ننظر إليها على أساس أنها كانت محطة انطلاق قطار انحرف عن سكّته بسبب وعورة الأرض وتضاريس الجغرافيا البشرية لبلد مثل اليمن فيه من التحديات والتعقيدات أكثر من فرص الاجتياز..

ثالثًا: نحن الآن كما يقول المثل الفرنسي "يجب أن لا نبكي على اللبن المسكوب" ، وإنما علينا أن نتعلم عدم تكرار ذلك من جديد ، لا نريده أن يُسكب مرة ثانية. ولذا فإنه لابد من استعادة الدولة ، وإعادة بناء المؤسسات ، وتضميد الجراح ، والالتفات إلى المعاناة الإنسانية جراء انقطاع صرف المرتبات ، وتردي الخدمات ... الخ.

يجب مراعاة أن المستقبل مظلم ما لم نبتكر حلولًا ناجعة ، وألا نظل ننتظر من الآخرين أن يحلوا لنا العُقد التي أوجدناها وصنعناها بأيدينا ، وأن تكون الديمقراطية وسيلة بالصورة التي تتماشى مع واقعنا وليس على الطريقة الأمريكية التي افرغت من محتواها الحقيقي بعد غزو العراق ، وفشل الأمريكان في إثبات حجة الغزو واستباحة بلد عربي تحت ادعاءات السلاح الكيميائي فلجأت إلى تبرير الغزو بذريعة إقامة حكم ديموقراطي في العراق فكان البديل الفوضى ، ولاحقًا نفس الشعار أطلقته عند ما سمي بالربيع العبري ونتج عنها تحطيم هياكل الدول ، وبروز مليشيات تهيمن على اليمن وليبيا والعراق، رغم أننا في اليمن كنا في غنى عن هذا المكيال الغير عادل ، وكنا نحظى بواقع قابل للتطوير وليس للتدمير.

ولذلك ، فرضت هذه  الأحداث أسئلة كثيره حول الديمقراطية ، وطريقتها ، وجديتها كمشروع ومدى نجاعتها وكيفية ترجمتها ، وأهميتها في حال كنا صادقين مع أنفسنا ، ونسعى إلى زحزحة الحياة الرتيبة المتبوعة بالحروب والصراع بعيدًا عن الرؤية الأمريكية الزائفة التي لا نجدها ملزمة لنا بقدر ما هي نهج نحن من يختاره ويقرره بما يتوافق مع الحاجة لترتيب الداخل والصالح العام.

صحيح أن أحدث غزة اليوم خلقت واقعًا جديدًا أكثر تعقيدًا ، ورسمت صورة قاتمة لكن لا يعني ذلك أن الديمقراطية أمر سيء بالعكس ، وهي تجربة حية بعيدًا عن الاستخدام والتصور الغربي لها من خلال الكيل بمكيالين وهذا لا يعنينا ، ولا يمكن نسيان أو تجاوز ما حدث للعراق تحت نفس الشعارات ، وما يحدث اليوم لأبناء غزة ، ولا يمكن أن يسقط بالتقادم ، وسيظل نقطة سوداء ضد الأمريكان قبل الكيان الصهيوني ، وسنظل مع الشعب الفلسطيني حتى يسترد حقه.

رابعًا: الفكرة الأساسية الآن هي كيفية إعادة بناء الدولة بأي صيغة توافقية تشاركية لإنقاذ الناس من العوز والجوع والمرض، ولابد من وسائل شوروية وانتخابات لقطع الطريق على المشاريع الدينية المتطرفة والحق الإلهي ، وفرض جماعات على حساب المجتمع ، ولا بد من الاتفاق على دستور وحكم انتقالي يرسم تطلعات الشعب بحكمة وصبر لا يقفز فوق الواقع ، فالهدف ليس الديمقراطية وحسب بآلياتها المعروفة ، ولا مانع من التفكير خارج الصندوق لإنقاذ وطن مهدد بالتشظي.

خامسًا: أرى الآن أن المهمة العاجلة هي تشكيل كتلة وطنية صلبة لإنقاذ الوطن عبر الحوار البنَّاء لوضع مشروع وطني يلتف حوله الجميع ، وإدانة كل من يسعى لعرقلة ذلك لصالح أجندة لا تخدم الناس والبلاد ، واختيار الشخصيات والرموز الوطنية المعروفة لإدارة حوار وطني يفضي إلى التوافق على حل شامل للصراع ، على أن يسبق ذلك وقف شامل للحرب والدخول في حوار لا يستثني أحد بضمانة الأمم المتحدة والدول الفاعلة إقليميًا ودوليًا.

اليمن تحتاج لصياغة مشروع وطني للإنقاذ ، وأول خطوة لتحقيقه هي الجلوس معًا على طاولة حوار واحدة ، والتخلي عن كل أجنداتنا السابقة بلا حساسيات ولا رغبة في الانتقام أو لمجرد تسجيل النقاط، فالوطن أكبر من الأشخاص مهما كانت مكانتهم لأن اليمن أمانة في عنق كل أبنائه.


المصدر: المنتصف نت

تابع أيضاً

عاجل